المتنبي يمدح بدر بن عمَّار
1
الحُبُّ ما مَنَعَ الكَلامَ الأَلسُنا *** وَأَلَذُّ شَكوى عاشِقٍ ما أَعلَنا
2
لَيتَ الحَبيبَ الهاجِري هَجرَ الكَرى *** مِن غَيرِ جُرمٍ واصِلي صِلَةَ الضَنا
3
بِنّا فَلَو حَلَّيتَنا لَم تَدرِ ما *** أَلوانُنا مِمّا امتُقِعنَ تَلَوُّنا
4
وَتَوَقَّدَت أَنفاسُنا حَتّى لَقَدْ *** أَشفَقتُ تَحتَرِقُ العَواذِلُ بَينَنا
5
أَفدي المُوَدِّعَةَ الَّتي أَتبَعتُها *** نَظَرًا فُرادى بَينَ زَفْراتٍ ثُنا
6
أَنكَرتُ طارِقَةَ الحَوادِثِ مَرَّةً *** ثُمَّ اعتَرَفتُ بِها فَصارَت دَيدَنا
7
وَقَطَعتُ في الدُنيا الفَلا وَرَكائِبي *** فيها وَوَقتَيَّ الضُحى وَالمَوهِنا
8
وَوَقَفتُ مِنها حَيثُ أَوقَفَني النَدى *** وَبَلَغتُ مِن بَدرِ ابنِ عَمّارِ المُنا
9
لِأَبي الحُسَينِ جَدًى يَضيقُ وِعائُهُ *** عَنهُ وَلَو كانَ الوِعاءُ الأَزمُنا
10
وَشَجاعَةٌ أَغناهُ عَنها ذِكرُها *** وَنَهى الجَبانَ حَديثُها أَن يَجبُنا
11
نيطَت حَمائِلُهُ بِعاتِقِ مِحْرَبٍ *** ما كَرَّ قَطُّ وَهَل يَكُرُّ وَما انثَنى
12
فَكَأَنَّهُ وَالطَعنُ مِن قُدّامِهِ *** مُتَخَوِّفٌ مِن خَلفِهِ أَن يُطعَنا
13
نَفَتِ التَوَهُّمَ عَنهُ حِدَّةُ ذِهنِهِ *** فَقَضى عَلى غَيبِ الأُمورُ تَيَقُّنا
14
يَتَفَزَّعُ الجَبّارُ مِن بَغَتاتِهِ *** فَيَظَلُّ في خَلَواتِهِ مُتَكَفِّنا
15
أَمضى إِرادَتَهُ فَ(سَوفَ) لَهُ (قَدٌ) *** وَاستَقرَبَ الأَقصى فَ(ثَمَّ) لَهُ (هُنا)
16
يَجِدُ الحَديدَ عَلى بَضاضَةِ جِلدِهِ *** ثَوبًا أَخَفَّ مِنَ الحَريرِ وَأَليَنا
17
وَأَمَرُّ مِن فَقدِ الأَحِبَّةِ عِندَهُ *** فَقدُ السُيوفِ الفاقِداتِ الأَجفُنا
18
لا يَستَكِنُّ الرُعبُ بَينَ ضُلوعِهِ *** يَومًا وَلا الإِحسانُ ألا يُحسِنا
19
مُستَنبِطٌ مِن عِلمِهِ ما في غَدٍ *** فَكَأَنَّ ما سَيَكونُ فيهِ دُوِّنا
20
تَتَقاصَرُ الأَفهامُ عَن إِدراكِهِ *** مِثلَ الَّذي الأَفلاكُ فيهِ وَالدُنا
21
مَن لَيسَ مِن قَتلاهُ مِن طُلَقائِهِ *** مَن لَيسَ مِمَّن دانَ مِمَّن حُيِّنا
22
لَمّا قَفَلتَ مِنَ السَواحِلِ نَحوَنا *** قَفَلَتْ إِلَيها وَحشَةٌ مِن عِندِنا
23
أَرِجَ الطَريقُ فَما مَرَرتَ بِمَوضِعٍ *** إِلّا أَقامَ بِهِ الشَذا مُستَوطِنا
24
لَو تَعقِلُ الشَجَرُ الَّتي قابَلتَها *** مَدَّتْ مُحَيِّيَةً إِلَيكَ الأَغصُنا
25
سَلَكَتْ تَماثيلَ القِبابِ الجِنُّ مِن *** شَوقٍ بِها فَأَدَرنَ فيكَ الأَعيُنا
26
طَرِبَتْ مَراكِبُنا فَخِلنا أَنَّها *** لَولا حَياءٌ عاقَها رَقَصَتْ بِنا
27
أَقبَلتَ تَبسِمُ وَالجِيادُ عَوابِسٌ *** يَخبُبنَ بِالحَلَقِ المُضاعَفِ وَالقَنا
28
عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيها عِثيَرًا *** لَو تَبتَغي عَنَقًا عَلَيهِ أَمكَنا
29
وَالأَمرُ أَمرُكَ وَالقُلوبُ خَوافِقٌ *** في مَوقِفٍ بَينَ المَنِيَّةِ وَالمُنى
30
فَعَجِبتُ حَتّى ما عَجِبتُ مِنَ الظُبا *** وَرَأَيتُ حَتّى ما رَأَيتُ مِنَ السَنا
31
إِنّي أَراكَ مِنَ المَكارِمِ عَسكَرًا *** في عَسكَرٍ وَمِنَ المَعالي مَعدِنا
32
فَطِنَ الفُؤادُ لِما أَتَيتُ عَلى النَوى *** وَلِما تَرَكتُ مَخافَةً أَن تَفطُنا
33
أَضحى فِراقُكَ لي عَلَيهِ عُقوبَةً *** لَيسَ الَّذي قاسَيتُ مِنهُ هَيِّنا
34
فَاغفِر فِدىً لَكَ وَاحبُني مِن بَعدِها *** لِتَخُصَّني بِعَطِيَّةٍ مِنها أَنا
35
وَانهَ المُشيرَ عَلَيكَ فيَّ بِضَلَّةٍ *** فَالحَرُّ مُمتَحِنٌ بِأَولادِ الزِنا
36
وَإِذا الفَتى طَرَحَ الكَلامَ مُعَرِّضًا *** في مَجلِسٍ أَخَذَ الكَلامَ اللَذْ عَنا
37
وَمَكايِدُ السُفَهاءِ واقِعَةٌ بِهِمْ *** وَعَداوَةُ الشُعَراءِ بِئسَ المُقتَنى
38
لُعِنَتْ مُقارَنَةُ اللَئيمِ فَإِنَّها *** ضَيفٌ يَجِرُّ مِنَ النَدامَةِ ضَيفَنا
39
غَضَبُ الحَسودِ إِذا لَقيتُكَ راضِيًا *** رُزءٌ أَخَفُّ عَلَيَّ مِن أَن يوزَنا
40
أَمسى الَّذي أَمسى بِرَبِّكَ كافِرًا *** مِن غَيرِنا مَعَنا بِفَضلِكَ مُؤمِنا
41
خَلَتِ البِلادُ مِنَ الغَزالَةِ لَيلَها *** فَأَعاضَهاكَ اللهُ كَي لا تَحزَنا
VIDEO