المشكاة للتربية و التعليم
أهلا بك زائرنا الكريم
حللت أهلا و وطئت سهلا
ـــــــــــ 0 0 0 ـــــــــــ
المنتدى يدعوك للتسجيل مع أعضائه
لتكون واحدا منا و فينا
ـــــــــــ 0 0 0 ــــــــــــ
ساهم بما تراه يخدم التربية و التعليم
التسجيل و تفعله لا يأخذان منك إلا دقائق قصيرة جدا
المشكاة للتربية و التعليم
أهلا بك زائرنا الكريم
حللت أهلا و وطئت سهلا
ـــــــــــ 0 0 0 ـــــــــــ
المنتدى يدعوك للتسجيل مع أعضائه
لتكون واحدا منا و فينا
ـــــــــــ 0 0 0 ــــــــــــ
ساهم بما تراه يخدم التربية و التعليم
التسجيل و تفعله لا يأخذان منك إلا دقائق قصيرة جدا
المشكاة للتربية و التعليم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المشكاة للتربية و التعليم

منتدى يعنى بكل ما من شأنه أن يخدم التربية و التعليم
 
الرئيسيةجون ستيورات مل (1806 - 1873) Ououoo12أحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
سحابة الكلمات الدلالية
الحلول اللغة دروس فيزياء الخط تمارين الإعلام السنة الثاني الكتاب الضوئية كتاب تعلم مذكرات حلول الرياضيات الثالثة الالي اولى للسنة مقترحة الفيزياء الأولى بالفرنسية المدرسي متوسط
المواضيع الأخيرة
» قصيدة التدخين
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالثلاثاء 10 نوفمبر 2020, 23:34 من طرف Admin

» قصيدة ذئب البراري ـ أكتوبر 2020
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالثلاثاء 20 أكتوبر 2020, 19:01 من طرف Admin

» درّة العقد الثّمين ـ القدس ـ
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالثلاثاء 13 أكتوبر 2020, 09:37 من طرف Admin

» صفقة القرن ... سبتمبر2020
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالإثنين 12 أكتوبر 2020, 22:41 من طرف Admin

» النملة والصرصور
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالإثنين 11 مايو 2020, 22:56 من طرف Admin

» قصيدة "علم الصُّخور" بقلم الأستاذ محمد جعيجع
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالخميس 30 يناير 2020, 14:17 من طرف Admin

» المحلول المائي (قصيدة شعرية) بقلم الأستاذ محمد جعيجع
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالسبت 18 يناير 2020, 20:53 من طرف Admin

» قصيدة وصايا لقمان الحكيم لابنه ـ جانفي 2020
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالأربعاء 08 يناير 2020, 14:09 من طرف Admin

» حلول تمارين الكتابين الجديد والقديم (التحليل الكهربائي البسيط) رابعة متوسط علوم فيزيائ
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالإثنين 06 يناير 2020, 21:31 من طرف Admin

التبادل الاعلاني

انشاء منتدى مجاني



تصويت
عناوين الصحف العالمية باللغة العربية
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالخميس 30 يناير 2014, 21:40 من طرف Admin


تعاليق: 0
تصفح الجرائد الوطنية الجزائرية
جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالسبت 29 يونيو 2013, 16:26 من طرف Admin
تصفح الجرائد الجزائرية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عناوين كل الصحف الوطنية الجزائرية


تعاليق: 0
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1778 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو هامل كمال فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 1730 مساهمة في هذا المنتدى في 1431 موضوع
أبريل 2024
الأحدالإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبت
 123456
78910111213
14151617181920
21222324252627
282930    
اليوميةاليومية

 

 جون ستيورات مل (1806 - 1873)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin
Admin


عدد المساهمات : 1521
تاريخ التسجيل : 27/11/2012

جون ستيورات مل (1806 - 1873) Empty
مُساهمةموضوع: جون ستيورات مل (1806 - 1873)   جون ستيورات مل (1806 - 1873) Emptyالخميس 27 فبراير 2014, 17:37

جون ستيورات مل (1806 - 1873)

ولد جون ستيورات مل (John Stuart Mill) في لندن عام 1806. وكان الابن البكر للمفكر البريطاني المعروف جيمس مل (1773 - 1836). وأشرف جيمس نفسه على توفير شروط التعليم وتوجيه مسار دراسة جون. فدرس جون اللاتينية وهو في الثامنة من عمره وقرأ بعض أعمال ارسطو ودرس أصول المنطق وهو في الثانية عشرة من عمره. وتعكس سيرته الذاتية تربية مبرمجة لعب والده دور المبرمج لابنه البكر. لذلك، كان حظ جون من السعادة والحرية طفيفاً في طفولته وشبابه.

وأكثر جون ستيوارت مل من نشر "الرسائل" في الصحف والمجلات المختلفة منذ سن مبكر. كما أن المواضيع التي طرقها متعددة  الجوانب: فمنها ما تناول المشاكل السياسية والاجتماعية الجارية، ومنها التعليقات والنقد لما كتبه المفكرون المعاصرون له في بريطانيا وفرنسا.

نقد مل منهج البحث التجريبي الذي شاع بين المفكرين الاسكتلنديين ومال إلى الإكثار من استعمال القياس (Syllogism) في البحث والدراسة. ولخص مل وجهة نظره في المنطق في كتاب صدر 1843.

لم يكن مل مفكراً "متخصصاً" ليكرس حياته لدراسة المنطق. ويبدو أن التطور الاقتصادي الذي عاشته بريطانيا خلال الثورة الصناعية والافرازات الاجتماعية والسياسية استقطبت نشاط مل الفكري. فقد نشر مؤلفاً معروفاً عالج فيه بعض "المسائل في الاقتصاد السياسي" في 1844. كما أن الإشكاليات الجديدة التي برزت بعد نشوء المجتمع الصناعي أثارت مسألة الحرية ومفهوم الحقوق الفردية في الحياة المدنية والسياسية. فقد أصبحت الصحافة ووسائل الإعلام الجديدة قوة لم يعرفها المجتمع القديم. ولخص مل موقفه في كتابين مهمين: "في الحرية" و"أفكار حول الحكم التمثيلي" وصدرت هاتان الدراستان في الأعوام 1859 - 1861.

لا يمكننا عرض جميع أعمال مل نظراً  لكثرتها وغناها، لكن تجدر الإشارة إلى بعض الملامح العامة والعريضة: فبينما دعا مل إلى توسيع رقعة الحريات العامة والمدنية أبدى مخاوفه من نتائج بعض المبادئ الديموقراطية كالمساواة في حق الانتخاب. مع ذلك نادى مل بحق الرأي في الانتخاب، ونقد تصور أوغست كونت (Auguste Comte) الهرمي لبنية المجتمع وتعليله للطبيعة الهرمية للمجتمع. وعلى الإجمال، يعتبر جون ستيوارت مل أحد المفكرين البارزين الذين أرسوا  أركان الفكر الليبرالي في القرن التاسع عشر.

 



مل: مختارات من كتاب "بحث في الحرية"
الفصل الأول
المدخل: في حدود سلطة المجتمع على الفرد
ليس موضوع هذا البحث الحرية التي تسمى "حرية الإرادة" والتي تقابل لسوء الحظ ما يسمى خطأ بالضرورة الفلسفية، وإنما موضوعه: الحرية والمدنية، أو الاجتماعية، وطبيعة السلطة التي يمارسها المجتمع شرعيا على الأفراد، وحدودها. إنها مسألة قلّ أن عرضت، وندر أن بحثت بشكل عام، ولكنها مع ذلك ذات أثر عميق في مشاكل هذا العصر العملية لوجودها الكامن الخفي. واكثر الظن أنها سوف تبرز نفسها قريبا لتعتبر مسألة المستقبل الحيوية. إنها أبعد ما تكون عن الجيدة. ويمكن القول انها منذ أقدم العصور تقريبا قد شطرت العالم. أما في مرحلة التقدم الحالية التي دخلها اكثر أقوام النوع الإنساني حضارة، فإنها تعرض نفسها ضمن شروط جديدة وتتطلب معالجة جديدة وأكثر عمقا.
إن الصراع بين الحرية وبين السلطة أبرز ظاهرة في أقسام التواريخ التي نعرفها، وخاصة تاريخ اليونان وروما وإنكلترا. أما في العصور القديمة فقد كان هذا الصراع بين الرعية أو بعض طبقات الرعية وبين الحكومة، وكان المعنى المفهوم من الحرية الاحتماء من استبداد الحكام السياسيين. فقد كان هؤلاء الحكام (باستثناء بعض حكومات الإغريق الشعبية) يُنظر إليهم وكأنهم بالضرورة في وضع معاد للشعب الذي يحكمون. كان الحكم بيد حاكم فرد، أو بيد قبيلة حاكمة أو سلالة، وكانت سلطتهم آتية عن طريق الإرث أو الفتح، ولم تكن تمارس برضى المحكومين، ولم يكن أحد يجرؤ على منازعة تلك السيادة أو يرغب في ذلك رغم كل الاحتياطات التي كانت تتخذ لاتقاء ضغطها التعسفي. كانت النظرة إلى سلطانهم أنه ضروري وأنه عظيم الخطر في الوقت نفسه، فهو سلاح قد يحاولون استعماله ضد رعيتهم كما يحاولون استعماله ضد العدو الخارجي. كذلك كان من الضروري، حتى لا يقع الضعاف من أعضاء المجتمع فريسة ينهكها عدد لا يحصى من العقبان، أن يوجد هناك حيوان جارح يكون أقوى من الآخرين  يُناط به أمر إخضاعها. ولكن، لما كان ملك العقبان ليس أقل ميلا إلى افتراس الرعية من أي نهاب سلاب آخر، فقد كانت الضرورة تقضي دائما باتخاذ خطة الدفاع ضد مخلبيه ومنقاره. لذلك كان هدف الوطنيين وضع حد للسلطة التي يجب أن يتحمل الحاكم مسؤولية ممارستها على المجتمع، وهذا التحديد هو ما عنوه بالحرية. حاولوا إرساء أسس هذا التحديد بطريقتين: الأولى هي الحصول على اعتراف ببعض الحصانات، تسمى الحريات أو الحقوق السياسية، كان انتهاكها من قبل الحاكم يعتبر إخلالا بواجبه، فإذا اقدم على انتهاكها كان في عمله ما يبرر المقاومة الخاصة أو الثورة الشاملة؛ أما الطريقة الثانية التي ظهرت بعد الأولى فكانت إقامة ضوابط دستورية بموجبها أصبحت موافقة المجتمع، أو أي هيئة يفترض انها تمثل مصالحه، شرطا لازما في بعض الإجراءات الهامة التي تريدها السلطة الحاكمة. لقد اضطرت السلطة الحاكمة في معظم البلاد الأوروبية إلى الرضوخ، نوعا ما، للطريقة الأولى. ولكن الحال لم يكن كذلك بالنسبة للطريقة الثانية: إذ أصبح الوصول إلى هذا النوع من التحديد أو إلى إكماله حين يكون جزء منه مؤمنا، اصبح ذلك في كل مكان الغرض الأساسي لمحبي الحرية. ولما اطمأن البشر إلى محاربة عدو بعدو آخر، وقنعوا بأن يُحكَموا من قبل سيد ضمن شروط تؤمن لهم نوعا من الحماية ضد استبداده، فانهم لم يعودوا يعملون ليدفعوا بأمانيهم إلى أبعد من هذه النقطة.
ثم جاء زمن رأى الناس فيه أن ليس من ضرورة طبيعية أن يكّون حكامهم سلطة مستقلة، تتعارض مصالحها مع مصالحهم. وبدا لهم أن الأفضل أن يكون أولئك الذين يستلمون شؤون الدولة وكلاء أو مندوبين عنهم يعزلونهم متى شاءوا. وظهر أن هذا هو السبيل الوحيد الذي يعطيهم الضمانة التامة في أن لا يساء استعمال سلطة الحكم في غير صالحهم. هذا الطلب الجديد لحكام ينتخبون انتخابا لمدة مؤقتة أصبح تدريجيا الغرض الرئيسي لأي حزب شعبي أينما وجد حزب من هذا النوع. وأخذ هذا الطلب، إلى حد بعيد، مكان طلب الحد من سلطة الحكام الذي كانت تسعى إليه الجهود السابقة. وفيما كان النضال لجعل السلطة الحاكمة تنبثق عن انتخاب دوري من قبل المحكومين يسير في وجهته، أخذ بعض الناس يفكرون بأن الأهمية التي  علقوها على مسألة تحديد السلطة نفسها كانت أكثر من اللازم، وان المسألة نفسها يمكن أن تكون مأخذا يؤخذ ضد الحكام الذين كانت مصالحهم عادة متضاربة مع مصالح الشعب. فما هو مطلوب الآن هو أن يكون الحكام متجاوبين مع الأمة وأن تكون مصالحهم وإرادتهم مصلحة الأمة وإرادتها. لن تحتاج الأمة إلى حماية من إرادتها الذاتية، وليس هناك خوف من أن تستبد بنفسها. ليكن الحكام مسؤولين عنها بطريقة مثمرة، وليكونوا عرضة للعزل من قِبَلِها، وعندها يمكن أن تمنحهم سلطات تستطيع هي أن تفرض أين يجب أن تُستعمل. وسلطتهم عندئذ ليست شيئا آخر سوى سلطة الأمة، وقد تمركزت بطريقة صالحة للتنفيذ.
أن هذا الأسلوب في التفكير، أو بالأحرى في الشعور، كان شائعا بين الأجيال الأخيرة من أحرار أوروبا، ولا يزال شائعا فيها حتى الآن كما يظهر. ويبقى أولئك الذين يقبلون فرض أي حد على ما يمكن أن تفعله الحكومة (إلا في حالة الحكومات التي يعتقدون أنها يجب أن لا توجد) يبقون قلة لامعين بين مفكري أوروبا السياسيين. إن أسلوبا في الشعور مماثلا لما ذكرت كان من الممكن أن يكون سائدا في بلادنا نفسها في هذا الوقت لو أن الظروف التي شجعته فترة من الزمن بقيت ولم تتبدل.
بيد أن النجاح في النظريات الفلسفية والسياسية، وفي الأشخاص أيضا يكشف عن عيوب وخطيئات قد يخفيها الفشل عن عين الملاحظ. فالرأي القائل بأن الشعب لا يحتاج إلى تحديد سلطته على نفسه قد يبدو حقيقة بديهية حين تكون الحكومة الشعبية مجرد حلم، أو مجرد شيء تقرأ عنه على أنه حدث  في الماضي البعيد. ولم يتضايق هذا الرأي بما حدث من انحرافات مؤقتة كانحرافات الثورة الفرنسية التي جاء أسوأ ما فيها عن عمل قلة مغتصبة، والتي لم تكن في أي حال ناجمة عن عمل ثابت لمؤسسات شعبية بل عن ثورة فجائية اضطرابية قامت ضد استبداد الملك والطبقة الأرستقراطية. ولكن قامت مع الزمن جمهورية ديمقراطية[1] احتلت حيزا واسعا من سطح الكرة الأرضية وأثبتت وجودها كواحدة من أقوى أعضاء مجموعة الأمم، وبذلك وضعت حكومة منتخبة ومسؤولة موضع الانتقادات والملاحظات التي تنتظر حقيقة واقعية كبرى. وقد تبين عندئذ ان عبارات مثل "الحكم الذاتي" و"سلطة الشعب على نفسه" لا تعبر عن حقيقة الوضع الراهن. فـ "الشعب" الذي يمارس السلطة ليس دائما نفس الشعب الذي يخضع لها، و"الحكم الذاتي" الذي يتحدث عنه ليس حكم كل فرد من قبل نفسه بل حكم كل فرد من قبل كل الآخرين. وإرادة الشعب، إضافة إلى ذلك، إنما تعني  عمليا إرادة العدد الأكبر أو إرادة الجزء الأكثر نشاطا من الشعب (إرادة الأكثرية)، أو أولئك الذين ينجحون في جعل أنفسهم مقبولين على أنهم الأكثرية. فقد يجوز بنتيجة ذلك أن يرغب الشعب في اضطهاد قسم من أفراده. وهنا يصبح من الضروري أن يُتخذ ضد هذا الأمر من الاحتياطات ما يُتخذ ضد أي نوع آخر  من سوء استعمال السلطة وعليه تحديد سلطة الحكومة على الأفراد لا يفقد شيئا من أهميته عندما يكون القابضون على زمام السلطة مسؤولين بانتظام أمام المجتمع، أي أمام أقوى حزب فيه. وإن وجهة النظر هذه التي استساغتها على السواء عقلية المفكرين وميول الطبقات الهامة في المجتمع الأوروبي التي تتعارض مصالحها الحقيقية أو المفروضة مع الديمقراطية، لم تلاق صعوبة في تثبيت نفسها. وأصبح التفكير السياسي عامة يشمل مسألة "استبداد الأكثرية" في عداد الشرور التي يجب على المجتمع أن يظل على حذر منها.
كان أكثر الناس ولا يزالون يخشون طغيان الأكثرية كما يخشون سائر أنواع الطغيان الأخرى، وذلك لأنه ينفّذ في الغالب عن طريق إجراءات السلطات العامة. ولكن رجال الفكر يرون أن المجتمع حين يكون هو نفسه الطاغية (أي حين يكون المجتمع بجملته ضد الأفراد) فان ذلك يعني أن أساليب طغيانه لا تنحصر بالإجراءات التي يمكن أن ينفذها عن طريق موظفيه السياسيين. إن المجتمع قادر على إصدار الأوامر وعلى تنفيذها بنفسه. فإذا أصدر أوامر خاطئة بدلا من الصحيحة، أو إن أصدر أوامر في شؤون يجب أن لا يتدخل فيها، فإنه يمارس بذلك طغيانا اجتماعيا هو أشد عتوا من كثير من ألوان الاضطهاد السياسي لأنه، وإن لم تدعمه عادة عقوبات شديدة، فان وسائل النجاة التي يتركها قليلة، وهو ينفذ إلى الصميم في كثير من نواحي الحياة، ويستعبد الروح ذاتها. لهذا كان الاحتماء من طغيان الحكام غير كاف، وكان لا بد من حماية ضد طغيان الآراء والمشاعر الشائعة، وضد ميل المجتمع لان يفرض (دون اللجوء إلى العقوبات المدنية) آراءه الخاصة وطقوسه كقواعد للسلوك، يفرضها حتى على أولئك الذين لا يوافقون عليها، ليكبل النمو والتطور، ويمنع إن أمكن تكوين أي شخصية فردية لا تكون منسجمة مع طرقه، ويجبر كل الطبائع على تكييف نفسها طبق أنموذج من صنعه هو. إن هنالك حدا للتدخل المشروع في استقلال الفرد من قبل الرأي الجماعي. وإن إيجاد ذلك الحد وصيانته من التجاوز أو الاعتداء عليه لازم لحسن سلامة شؤون الناس لزوم الاحتماء من الاستبداد السياسي.
ولكن لئن كان من غير المتوقع أن تناقش هذه القضية بصورة عامة. فإن السؤال العملي: أين يجب وضع الحد، وكيف يمكن تحقيق التوفيق المناسب بين الاستقلال الفردي وبين السيطرة الاجتماعية؟ هذا السؤال يبقى الموضوع الذي عليه يتوقف كل شيء تقريبا.
إن كل ما يجعل للوجود قيمة في نظر أي شخص مرتكز على تنفيذ الضوابط التي تضبط أفعال الآخرين. فيجب إذن فرض بعض قواعد للسلوك عن طريق القانون أولا، ثم عن طريق الرأي العام في الأشياء الكثيرة التي لا تكون قابلة للإجراءات القانونية. أما ما هي هذه القيود اللازمة، فهذا هو السؤال الرئيسي في شؤون البشر.
إننا إذا استثنينا بعض المسائل الواضحة جدا، فان السؤال السابق يبقى بين المسائل التي لم يصل السعي وراء حل لها إلا إلى قدر ضئيل من التقدم. فلم يُعطِ عصران أو بلدان حلا واحدا له. لا بل إن الحل الذي قال به عصر أو بلد كان موضع استغراب الآخر وتعجبه. ومع كل ذلك فان الناس في أي عصر أو بلد لم يعودوا يرتابون بوجود أي صعوبة فيه، وكأنه موضوع كان الناس متفقين دائما حوله. والقواعد يجري بها العرف بينهم تبدو لهم جلية في حد ذاتها، ولا تحتاج إلى تبرير. إن هذا الوهم العام  ليس إلا واحدا من الأمثلة على التأثير السحري للعرف، هذا العرف الذي يؤخذ لا على انه، كما يقول المثل، طبيعة ثانية فقط، بل يؤخذ دائما وخطأ على أنه طبيعة أولى. إن أثر هذا العرف في إزالة أي شك يمكن أن يعلق في نفوس الناس بشأن قواعد الأخلاق التي يفرضها الناس بعضهم على بعض هو في ازدياد مستمر لأن الموضوع أمر لا يوجد بشأنه اتفاق عام بأنه يحتاج إلى تبرير، لا من قِبَل شخص نحو الآخرين، ولا من قِبَل شخص نحو نفسه. فقد اعتاد الناس أن يعتقدوا أن مشاعرهم حول موضوعات من هذا النوع هي أفضل من الأسباب، وانها تجعل التعليل غير ضروري، وقد شجعهم على هذا الاعتقاد جماعة يطمحون في أن يكونوا بين الفلاسفة. والمبدأ العملي الذي يرشد هؤلاء الناس إلى آرائهم في تنظيم السلوك البشري هو الشعور الموجود في رأس كل منهم بأن على الجميع أن يفعلوا كما يريدهم هو ومن على شاكلته أن يفعلوا.
لا يعترف أحد في الواقع أمام نفسه أن مقياسه في الأحكام مبني على ما يحب ويرغب، ولكن الرأي الذي يُعطى في مسألة مسلكية ولا يكون مشفوعا بالأسباب لا يعدو كونه تفضيلا شخصيا. فإذا ذُكرت الأسباب ولم تكن شيئا آخر سوى تفضيلا مماثلا شعر به آخرون، بقي الأمر مجرد رغبة أناس كثيرين بدلا من واحد. إن هذا التفضيل الشخصي الذي يؤيده بهذه الطريقة تفضيل الآخرين ليس سببا كافيا وكاملا فحسب بالنسبة للشخص العادي، بل إنه السبب الوحيد عنده الذي به يبرر عادة أيا من آرائه في الأخلاق، أو الذوق، أو اللياقة حين لا تكون هذه الآراء مكتوبة صراحة في عقيدته الدينية، لا بل إنه أيضا مرشده الرئيسي في تفسيره حتى لتلك العقيدة. وهكذا تكون آراء الناس حول ما هو ممدوح أو مذموم متأثرة بكل الأسباب المتنوعة التي تتأثر بها رغباتهم بشأن سلوك الغير، وهي أسباب متعددة بقدر تعدد الأسباب التي تقرر رغباتهم بشأن أي موضوع آخر. فالأسباب تارة عقلهم، وأخرى تحّيزهم أو خرافتهم، وكثيرا ما تكون عواطفهم المحبة للمجتمع أو الكارهة له، أو حسدهم أو غيرتهم، أو غطرستهم أو ازدراؤهم. وأكثر الأسباب شيوعا هي محبتهم لأنفسهم أو خوفهم عليها: أو مصلحتهم الشخصية المشروعة أو غير المشروعة. وحيثما وجدت طبقة عالية فان القسم الأكبر من أخلاق البلاد ينبثق عن مصالح تلك الطبقة وعن شعورها بالتفوق الطبقي. فالأخلاق بين الإسبارطيين وبين الأرقاء، بين المزارعين وبين الزنوج، بين الأمراء وبين الرعية، بين النبلاء وبين مستأجري أراضيهم، بين الرجال وبين النساء؛ هذه الأخلاق كانت في معظمها وليدة تلك المصالح والمشاعر الطبقية. والعواطف التي تتولد بهذه الطريقة يرتد مفعولها على المشاعر الأخلاقية لأعضاء الطبقة العليا في علاقاتهم فيما بينهم، أما حين توجد طبقة كانت سابقا عالية وفقدت تفوقها، أو كان تفوقها غير محبوب، فان العواطف الأخلاقية السائدة عندئذ غالبا ما تحمل معها طابع الكراهية الملحة للتفوق. وهناك مبدأ خطير آخر من المبادئ التي يفرضها القانون أو الرأي العام والتي تحدد قواعد السلوك في الفعل أو في رحابة الصدر، هذا المبدأ هو خنوع البشر تجاه ما يحبه أو ما يكرهه أسيادهم المؤقتون أو أصنامهم. إن هذا الخنوع، الذي هو في الأصل أناني، ليس رياء كله: إنه يثير عواطف أصيلة من المقت والكراهية، وقد دفع البشر إلى إحراق السحرة والمارقين. لقد كان لمصالح المجتمع حتما، العامة منها والواضحة، نصيب، ونصيب كبير، بين تلك العوامل الكثيرة التي عملت في توجيه العواطف الأخلاقية، ولكن ذلك لم يكن بدافع الفكر والعقل، أو بسبب قيمة العواطف نفسها، بقدر ما كان نتيجة التعاطف أو الكراهية الذَين انبثقا عن تلك العواطف نفسها. إن ذلك التعاطف وتلك الكراهية لم تكن لهما أي صلة بمصالح المجتمع، ولكنهما أثبتتا وجودهما كقوتين كبيرتين في إيجاد الفضائل.
هكذا فإن ما يحبه المجتمع وما يكرهه، أو ما يحبه وما يكرهه قسم كبير منه، هو العامل الرئيسي الذي حدد عمليا القواعد التي يجب مراعاتها من قبل الجميع تحت طائلة عقوبة القانون أو الرأي العام. وحين جاء أناس سبقوا المجتمع في التفكير والشعور فانهم بشكل عام تركوا الوضع الراهن دون ان يحملوا عليه من حيث المبدأ، رغما عن أنهم قد يكونوا قد تصادموا معه في بعض التفاصيل. فقد شغلوا  أنفسهم ببحث ما يجب على المجتمع أن يحب أو يكره بدلا من البحث فيما إذا كان ما يحبه المجتمع أو يكرهه يجب أن يفرض كقانون على الأفراد. لقد آثروا أن يحاولوا تغيير شعور الناس تجاه النقاط التي كانوا هم أنفسهم يجحدونها بدلا من أن يتضافروا في الدفاع عن الحرية مع عموم الجاحدين. والقضية الوحيدة التي ثابروا فيها على جعل النقاش على مستوى عال وبناء على مبادئ هي قضية العقيدة الدينية: هذه القضية التي ناقشها أشخاص هنا وهناك ليست وسيلة تهذيب وتثقيف فحسب، بل هي أيضا مثال واضح على أن ما يَمّس بالحس الأخلاقي ليس معصوما عن الخطأ، لان عنف المشادات الدينية عند الجلّ المتعصب من أوضح الأمثلة على الحس الأخلاقي. إن أولئك الذين كانوا أول من حطم نِيْرَ ما كان يسمى بالكنيسة العالمية لم يكونوا يريدون السماح بوجود خلاف بين الآراء الدينية، شأنهم في ذلك شأن الكنيسة نفسها. ولكن لما برد وطيس المعركة دون أن يفوز أي فريق بانتصار حاسم، واضطرت كل كنيسة أو فرقة دينية إلى تحديد أمانيها إلى حد الاحتفاظ بما نالته من نفوذ، وجدت الأقليات، التي لم يكن لها أمل في أن تصبح أكثرية، نفسها مضطرة إلى أن تطلب ممن لم تكسبهم إلى جانبها أن يسمحوا لها بان تختلف عنهم. وفي هذا الميدان وحده تقريبا أمكن لحقوق الفرد ضد المجتمع أن تثبتت على أسس عامة من المبادئ وظهرت  معارضة مكشوفة لادعاء المجتمع بحقه في ممارسة سلطة ضد المنشقين. إن الكّتاب الكبار الذين يدين لهم العالم بالفضل في ما أحرزه من حرية دينية قد أكدوا أن حرية الضمير حق لا يُقهر واستنكروا بشكل قاطع أن يكون الشخص مسؤولا أمام الآخرين عن عقيدته الدينية. إلا ان عدَم التسامح من طبيعة البشر في كل ما يهمهم حقيقةٌ، ولم تتحقق الحرية الدينية بصورة عملية في أي مكان إلا حيث دعمتها اللامبالاة الدينية التي تكره أن  تُعكّر صفوها المنازعات اللاهوتية. ان عقل جميع المتدينين، حتى في اكثر البلاد تسامحا، يقر واجب التسامح ولكن مع تحفظات ضمنية. فقد يقبل شخص الاختلاف في شؤون حكم الكنيسة، ولكن لا في تعاليمها المقررة، وقد يتقبل آخر كل شخص عدا البابوي أو الموحِّد، وقد يتقبل ثالث كل من يؤمن بدين مُنزَل، وقد يوسع بعضهم حدود التسامح ولكنهم يقفون عند تحد الإيمان بالله والحياة الأخرى.  اما حيث  لا تزال عاطفة الأكثرية أصيلة وشديدة فإننا نجد أنها لم تخفف شيئا يذكر من غلوها في وجوب إطاعتها.
إن وطأة الرأي العام في إنكلترا أشد مما هي في اكثر بلاد أوروبا، على الرغم من أن وطأة القانون قد تكون أخف، وما ذلك إلا بسبب الظروف الخاصة لتاريخ إنكلترا السياسي. فهناك قلق بالغ من جراء التدخل المباشر في سلوك الفرد من قبل السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية، ولا يأتي ذلك عن مجرد الغيرة على استقلال الفرد بقدر ما يأتي عن العادة المستحكمة في النظر إلى الحكومة على انها تمثل مصلحة أخرى معارضة لمصلحة الشعب. فالأكثرية لم تتعلم بعد أن تشعر بأن سلطة الحكومة سلطتها، وآراءها آراؤها. ومتى تعلمت الأكثرية ذلك، فالأرجح أن تتعرض الحرية لغزو الحكومة بقدر ما هي معرضة الآن لغزو الرأي العام. ولكن لا يزال هناك قدر محترم من الشعور على استعداد للقيام ضد أية محاولة من قبل القانون للسيطرة على الأفراد في شؤون لم يسبق لهم أن تعودوا على سيطرة القانون فيها. وذلك بغض النظر عما إذا كان الأمر يدخل في نطاق سيطرة القانون المشروعة أو لا يدخل. إن هذا الشعور السليم بمجمله قد يكون أحيانا في غير محله. وليس هناك في الواقع أي مبدأ معترف به لقياس ملائمة أو عدم ملائمة التدخل الحكومي، وإنما يقرر الناس ذلك وفقا لأهوائهم الشخصية. فمنهم من يهيب بالحكومة إلى التدخل والعمل كلما رأى خيرا يجب فعله أو شرا يجب معالجته وتلافيه، بينما يفضل غيرهم أن يتحملوا أي مقدار كان من الشر الاجتماعي على أن يضيفوا إلى مصالح الناس التي تُخضع للسيطرة الحكومية مصالح أخرى. والناس يأخذون هذا الجانب أو ذاك في أي قضية وفق التوجيه العام لعواطفهم، أو وفقا لمقدار اهتمامهم بالأمر الذي يقترح أن تقوم به الحكومة، أو وفقا لاعتقادهم بأن الحكومة، سوف تؤديه أو لن تؤديه بالطريقة التي يفضلونها، ولكن قَلّ أن يكون أخذهم هذا الجانب أو ذاك بناء على رأي يتمسكون به حول الأمور التي يكون من المناسب أن تقوم بها الحكومة. وبناء على عدم وجود أي مبدأ أو قاعدة، يلوح لي ان كلا من الجانبين يخطئ الآخر، وأن تدخل الحكومة يتعادل فيه عدد المرات التي يساء فيها ابتغاؤه وعدد المرات التي يساء فيها استنكاره.
إن غرض هذا البحث هو تأكيد مبدأ بسيط جدا جدير بأن ينظم معاملات المجتمع مع الفرد من حيث الإكراه والسيطرة، أكانت الأساليب المستعملة قوة مادية على شكل عقوبات قانونية أم كانت الضغط المعنوي للرأي العام. إن ذلك المبدأ هو أن الغاية الوحيدة التي تجيز للبشر، أفرادا كانوا أم جماعة، أن يتدخلوا في حرية أفعال أي واحد منهم إنما هي حماية الذات. أي إن الغرض الوحيد الذي من أجله يمكن ممارسة السلطة بحق في أي مجتمع متمدن على عضو منه رغم إرادته إنما هو دفع الأذى عن الغير. فلا يكفي أن يكون الهدف الخير الخاص للعضو، ماديا كان هذا الخير أم معنويا. ولا يجوز عدلا إرغامه على القيام بأمر أو على الامتناع عنه لأن ذلك خير له، أو لأن ذلك يجعله أسعد حالا، أو لأن الآخرين يرون أن من الحكمة والصواب فعل ذلك، إن هذه الأسباب كلها وجيهة، تنفع في التباحث معه، أو المناقشة معه، أو في إقناعه، أو في رجائه، ولكنها لا تبرر  إرغامه أو إلحاق الأذى به إن فعل عكس ما يطلب منه. ولا يبرر ذلك إلا الحساب بأن السلوك الذي يقصد إبعاده عنه سوف ينجم عنه ضرر يصيب الغير: فالجزء الوحيد من سلوك أي فرد، الذي يكون مسؤولا عنه تجاه المجتمع، هو ذلك الذي يمس الغير. أما الجزء الذي يمس الشخص وحده فان استقلاله فيه مطلق وحق. فالفرد سيد على نفسه في عقله وفي جسمه.
قد يكون من الضروري أن نقول هنا إن هذا المذهب ينطبق فقط على أفراد النوع الإنساني الذين وصلوا إلى مرحلة النضوج في ملكاتهم. فنحن لا نتكلم في الواقع عن الأطفال أو الأحداث الذين هم دون السن التي يحددها القانون للرجولة أو لنضج النساء. أما الذين لا يزالون بحاجة إلى عناية الغير بهم، فتجب حمايتهم من أفعالهم كما تجب حمايتهم من الأذى الخارجي. كذلك يمكن للسبب نفسه أن نخرج من دائرة اعتباراتنا المجتمعات المتخلفة التي يمكن اعتبار الأقوام التي تؤلفها أقواما قاصرة. فالصعوبات المبكرة التي تعترض سبيل التقدم الذاتي من الخطورة بحيث لا يبقى هناك أي مجال للمفاضلة بين وسائل التغلب عليها. والحاكم المشبَّع بروح الإصلاح يجوز له أن يستعمل أي وسيلة توصله إلى الهدف الذي لا يبلغه بأي من الوسائل الأخرى. إن الاستبداد أسلوب شرعي في حكم  البرابرة شريطة أن تكون الغاية تحسين حالهم، وتحقيق تلك الغاية فعلا يبرر تلك الواسطة. والحرية كمبدأ لا مجال لتطبيقها في أي من الحالات التي توجد قبل ذلك الوقت الذي يصبح فيه البشر قادرين على التحسن عن طريق المباحثات الحرة بين أطراف تحققت المساواة بينهم. حتى ذلك الحين لا يكون أمامهم إلا الطاعة لعاهل أو لملك جبار عادل إن أسعفهم حظهم بوجوده. ولكن ما ان يكتسب البشر القدرة على الانصياع إلى الاقتناع أو الإقناع في تحسين أحوالهم (وهذه مرحلة وصلت إليها منذ زمن بعيد كل الأمم التي يهمنا أمرها هنا) حتى يصبح الإكراه في شكله المباشر أو في شكل إيذاء المخالف وعقابه أمرا غير مقبول إذا قُصد استعماله كوسيلة لخيرهم، حتى وإن بقي مسموحا به في حالة ضمان أمن الغير.
من المناسب أن أذكر هنا أني أتنازل عن أي فائدة تدعم حجتي يمكن ان تأتيني من فكرة الحق المجرد كشيء مستقل عن المنفعة. فانا اعتبر المنفعة الملاذ النهائي في كل المسائل الأخلاقية: ولكنها يجب أن تكون المنفعة في أوسع معانيها، القائمة على مصالح الإنسان الدائمة من حيث هو مخلوق تقدمي. إن هذه المصالح كما أراها تسمح بإخضاع الفعل العفوي الفردي للقيد الخارجي في حالة واحدة فقط هي حين تكون أفعال الفرد ماسة بمصالح الآخرين.
فإذا أتى امرؤ فعلا يؤذي الغير فهناك وضع واضح يدفع إلى معاقبته عن طريق القانون أو بواسطة الاستنكار العام حين يتعذر تطبيق العقوبات القانونية بأمان. وهناك أيضا أفعال إيجابية أخرى تنفع الغير يحق فيها إرغامه على تأديتها، كأن يدلي بشهادة أمام المحكمة، أو أن يتحمل قسطه العادل من الدفاع المشترك، أو أي عمل آخر ضروري لمصلحة المجتمع الذي ينعم هو بحمايته، أو أن يقوم بأفعال فيها برّ بأفراد آخرين كإنقاذ حياة مخلوق إنساني أو التدخل لدفع الأذى عن قاصر عن الدفاع عن نفسه، إلى غير ذلك من الأمور التي يكون من واجب الإنسان ان يقوم بها، والتي يُسأل عنها بحق أمام المجتمع ان هو أهملها. ان الشخص قد يسيء إلى الغير لا بما يفعل فحسب ولكن بامتناعه أحيانا عن الفعل أيضا، وهو في كلا الحالين مسؤول أمام الغير عن الضرر. صحيح أن الحالة الثانية (أي عدم الفعل) تقتضي الحذر في ممارسة الإرغام أكثر مما تقتضيه الحالة الأولى: فكون الإنسان مسؤولا عن شر فعله إنما هو القاعدة، واما جعله مسؤولا عن عدم دفع الشر فهو، نسبيا، الاستثناء. ومع ذلك فهناك حالات كثيرة فيها من الوضوح والخطر ما يبرر هذا الاستثناء. فالفرد في كل ما يمس علاقاته الخارجية مسؤول شرعا أمام أولئك الذين مُسَّت مصالحهم أو إذا اقتضى الحال، أمام المجتمع الذي يحميهم. وكثيرا ما توجد أسباب معقولة لعدم تحميله المسؤولية. إلا ان هذه الأسباب يجب ان تنشأ عن مقتضيات القضية الخاصة، كأن تكون القضية من النوع الذي يحسن الفرد التصرف فيه إذا ترك على اجتهاده اكثر مما يحسن التصرف ان اتبع أي طريق من الطرائق التي باستطاعة المجتمع ان يفرضها عليه، أو كأن تكون محاولة السيطرة عليه سببا يؤدي إلى أذى أكبر بكثير من الأذى الذي تقصد هذه السيطرة منع حدوثه. فإذا حالت أسباب من هذا النوع دون تطبيق المسؤولية، فان على ضمير الفاعل نفسه أن يتدخل ويحتل مقعد القضاة الخالي ويحمي مصالح الغير التي تفتقر إلى حماية خارجية، وهنا يكون عليه أن يحاكم نفسه بصرامة طالما أن القضية لا تسمح بأن يُحاكَم من قِبَل بني جنسه.
ولكن هناك دائرة للأفعال إن كان للمجتمع المتميز بجملته عن الفرد مصلحة فيها فإنما هي مصلحة غير مباشرة، وتشمل هذه الدائرة ذلك الجزء من حياة الفرد وسلوكه الذي لا يمس إلا شخصه وحده، أو إن مسّ غيره من الناس فيكون ذلك بمحض إرادتهم، وموافقتهم التي لا خداع فيها، واشتراكهم. وأنا إذ أقول يمس شخصه فقط، فإنما أعني ما يمسه مباشرة، وقبل كل شيء آخر، لان كل ما يمسه يمكن بعد ذلك أن يمس الآخرين عن طريقه، والاعتراض الذي يمكن أن ينشأ عن هذا التداخل سوف يكون موضع اعتبار في المكان اللازم من هذا البحث. هذا هو إذن نطاق الحرية البشرية الخاص بها. انه يشمل أولا مملكة الوعي الداخلية التي تتطلب حرية الضمير بأوسع معناها وحرية الفكر والشعور، والحرية المطلقة للرأي والعاطفة في كل المواضيع العملية أو النظرية، العلمية أو الأخلاقية أو الدينية. ان حرية الإعراب عن الآراء ونشرها تبدو كأنها تقع تحت مبدأ آخر لأنها تخص ذلك الجزء من سلوك الفرد الذي يمس الغير. ولكن، لما كانت أهميتها معادِلة لأهمية حرية الفكر نفسها وكانت في قسمها الأكبر مستندة إلى الأسباب نفسها، فإنها لا تقبل الانفصال عنها.
ثانيا، يتطلب المبدأ حرية التذوق والمشرب، وحرية تصميم خطة لحياتنا توافق طبعنا، وحرية العمل وفق ما نحب ونرغب متحملين تبعة ذلك دون مضايقة تصيبنا من أبناء جنسنا، حتى ولو اعتبروا سلوكنا أحمقاً أو معوجّا أو خاطئا، طالما ان ما نفعله لا يضر بهم. ثالثا، من هذه الحرية التي لكل فرد، تنشأ ضمن الشروط نفسها، حرية التكتل بين الأفراد، وحرية الاتحاد والتضامن في سبيل أي هدف لا ينطوي على إيذاء الغير. والمفروض هنا أن الأشخاص المتكتلين هم من الناس البالغين وليسوا مرغمين أو مخدوعين.
كل مجتمع لا تُحترم فيه هذه الحريات عموما لا يكون حرا مهما كان شكل حكومته، ولا يكون أي مجتمع حرا حرية تامة ان لم تكن فيه هذه الحريات مطلقة وكاملة الشروط. والحرية الوحيدة، الحَرِيّة بهذا الاسم، هي حريتنا في أن ننشد خيرنا بطريقتنا الخاصة ما دمنا لا نحاول حرمان الغير من خيراتهم ولا نعرقل جهودهم في الحصول عليها. فكل واحد منا هو الحارس الأمين على صحته أكانت الصحة الجسدية أم العقلية والروحية. والسماح لكل منا بأن يعيش وفق ما يرى فيه خيره أجدى  على البشرية، مهما تحملت منه، من إرغام الفرد على أن يعيش وفق ما يبدو صالحا في نظر الآخرين.
قد يظهر هذا المذهب غير جديد وقد يبدو لبعضهم كحقيقة أولية بديهية، ولكن بالرغم من ذلك ليس هناك مذهب آخر يتعارض مع الاتجاه العام للرأي العام والعرف الحاليين كما يتعارض هذا المذهب. فلقد بذل المجتمع جهودا جبارة في محاولة إرغام الناس على الامتثال لآرائه في الصلاح الشخصي والاجتماعي. وكانت الدول القديمة تظن، وأيّدها الفلاسفة القدماء في ذلك، ان من حقها ممارسة تنظيم كل ناحية من نواحي السلوك الخاص بواسطة السلطة العامة بدعوى ان الدولة شديدة الاهتمام بالتربية الجسدية والعقلية لكل واحد من مواطنيها، وهذه طريقة في التفكير يمكن قبولها بالنسبة لجمهوريات صغيرة محاطة بأعداء أقوياء، وهي في خطر دائم من هجوم خارجي أو اضطراب داخلي، وقد تكون فيها الفترة القصيرة من التراخي وإعطاء الأفراد أمر قيادة أنفسهم، السبب في ضربة قاضية تصيبها بحيث لا تستطيع عندئذ انتظار الخيرات الدائمة التي تنجم عن الحرية. أما في العالم الحديث فان اتساع المجتمعات السياسية، وفصل السلطات الروحية عن السلطات الزمنية (الذي وضع إدارة ضمائر الناس في أيد غير الأيدي التي تهيمن على شؤونهم الدنيوية) قد حالا دون تدخل القانون كثيرا في دقائق الحياة الخاصة. ولكن آلات الضغط المعنوي ضد الانحراف عن الرأي السائد قد استعملت بشدة أعظم في المسائل التي تمس الفرد مما في المسائل الاجتماعية. حتى الدين، وهو أقوى العناصر التي تدخلت في تكوين الشعور الأخلاقي، كان دائما خاضعا لمطامع سلطة كهنوتية تحاول السيطرة على مختلف نواحي السلوك البشري أو لروح التزَمُت البيوريتاني[2]. ومن المصلحين العصريين الذين وضعوا أنفسهم موضع المعارضة الشديدة  لديانات الماضي مَن لم يكن اقل حماسا من الكنائس أو الفرق الدينية في تأكيد حق السيطرة الروحية، لاسيما الفيلسوف أوغست كونت الذي نراه في نظامه الاجتماعي الذي نشره في كتابه "نظام في السياسة الوضعية" يهدف إلى إقامة استبداد اجتماعي يتسلط على الفرد (ولو بالوسائل المعنوية اكثر مما بالوسائل القانونية) وهو استبداد يفوق ما فكر به اشد الفلاسفة القدماء صلفا في تفكيرهم السياسي.
وبالإضافة إلى المذاهب الخاصة لبعض المفكرين، فان في العالم على سعته ميلا متزايدا إلى توسيع سلطات المجتمع على الفرد، بدون ضرورة مبررة، بقوة الرأي العام وبقوة التشريع أيضا. ولما كانت التغيرات التي تحدث في العالم تتجه جميعها إلى تعزيز سلطة المجتمع وتضييق سلطة الفرد، فان هذا التعدي من قبل المجتمع ليس من الشرور التي تميل إلى الزوال من تلقاء نفسها، بل انه على العكس من ذلك سوف ينمو ويتفاقم. ان استعداد البشر، حكاما ومواطنين، لفرض آرائهم وميولهم على الغير كقاعدة للسلوك استعداد قوي وهو مدعوم بتأييد قوة تأتيه من أفضل المشاعر السامية ومن أحط المشاعر التي تمر بها الطبيعة الإنسانية، حتى ليكاد يتعذر عليه ان يقف عند أي حد أقل من إرادة السلطة. ولما كانت السلطة في تزايد لا في تناقص (إلا إذا ارتفع حاجز قوي من القناعة الأخلاقية في وجه إساءة الاستعمال)، فان علينا أن نتوقع ضمن ظروف العالم الحالية، ازديادا في قوة هذا الاستعداد.
قد يكون من الملائم قبل الدخول في صُلب الرسالة ان نحصر البحث أول الأمر في فرع واحد منه، وهو ذلك الفرع الذي يعترف الرأي السائد حاليا، ولو اعترافا جزئيا، بان المبدأ الذي أوردته سابقا ينطبق عليه. ان هذا الفرع هو حرية الفكر، ويستحيل ان نفصل عنه حرية القول والكتابة. وبالرغم من ان هذه الحريات تشكل، إلى حد كبير، جزءا من الأخلاق السياسية لكل البلاد التي تدعي التسامح الديني والمؤسسات الحرة، فان الأسس الفلسفية والعملية التي تقوم عليها ليست مألوفة من قبل الفكر العام، وهي لم تحط من الكثيرين، وحتى من قادة الفكر، بالاعتبار والتقدير اللائقين كما كان متوقعا. فإذا أحسن فهم هذه الأسس اصبح تطبيقها ممكنا في اكثر من قسم واحد من الموضوع، وبذا يكون البحث الوافي لهذا القسم من المسألة خير مقدمة لما تبقى من الموضوع. وإني لأرجو من الذين لن يجدوا شيئا جديدا فيما سوف أقوله بعد قليل أن يعذروني إن أنا خضت في هذا الموضوع مرة جديدة بعد أن كان موضوعا للبحث مرات عديدة خلال  ثلاثة قرون مضت.


 الفصل الرابع: في حدود سلطة المجتمع على الفرد
لنسأل الآن: ما هو الحد الشرعي لسيادة الفرد على نفسه؟ أين تبدأ سلسلة المجتمع؟ ماذا يجب أن يعود للفردية من الحياة البشرية وماذا يجب أن يعود للمجتمع؟
ان كلا منهما ينال حصته العادلة إذا هو احتفظ بما يخصه أو يعنيه. فيكون للفردية جزء الحياة الذي يهم الفرد، وللمجتمع الجزء الذي يهم المجتمع.
ان المجتمع غير مؤسس على عقد ولا غاية ترجى من اختراع عقد لاستخلاص الواجبات الاجتماعية منه. ولكن من ينال حماية المجتمع يكون مدينا له مقابل ذلك، والعيش في المجتمع يقتضي حتما أن يتقيد كل فرد بخطة من السلوك تجاه الآخرين. يتألف هذا السلوك، أولا، من عدم إضرار بتلك المصالح التي يجب أن تُعتبر حقوقا إما بموجب نص قانوني صريح أو بموجب تفاهم ضمني. ويتألف هذا السلوك، ثانيا، من تحمل كل فرد نصيبه (الذي يُقَرر وفق مبدأ منصف) مما تقتضيه صيانة المجتمع أو أعضاءه من أتعاب وتضحيات. ويحق للمجتمع مهما كلف الأمر ان يفرض تحقيق هذين الشرطين على من يحاول الامتناع عن ذلك. وليس هذا كل ما يجوز أن يفعله المجتمع. فقد تكون أفعال الفرد ضارة بالغير أو قليلة الاهتمام بخيرهم دون أن تكون مخالفة لحقوقهم المقررة، ويجوز عندئذ معاقبة المذنب عن طريق الرأي العام لا عن طريق القانون. وحينما ينطوي أي جزء من سلوك الفرد على ضرر بمصالح الغير تصبح للمجتمع سلطة عليه، ويطرح على بساط البحث عندئذ السؤال القائل: هل يفيد الصالح العام من هذا التدخل أم لا؟ ولكن لا موضوع لهذا السؤال إذا كان سلوك الفرد لا يمس مصالح أحد سواه، أو ليس من الضروري ان يمسها إلا إذا أرادوا هم ذلك (بشرط ان يكون المعنيون بالغير بالغين وذوي قدر كاف من الفهم). وعلى كل حال يجب أن يكون للفرد مطلق الحرية القانونية والاجتماعية في أن يفعل ويتحمل تبعة فعله.
من الخطأ الفادح في فهم هذه النظرية ان نزعم أنها نظرية لا مبالاة أنانية تدعي أن لا شأن للناس بسلوك بعضهم مع بعض وان ليس من الواجب ان يهتموا بمصالح الغير وخيره إلا إذا كانت تمس مصالحهم. فالحاجة تدعو لا إلى الإنقاص بل إلى الزيادة في كل جهد غير مغرض يُصرف في رعاية خير الغير، ولكن الحب غير المغرض للخير يستطيع أن يجد وسائل أخرى لإقناع الناس بخيرهم غير السياط بمعناها الحرفي والمجازي. إني آخر من يحط من قيمة الفضائل التي تعنى بالذات، وان جاءت بعد شيء فإنما تأتي عندي في الدرجة الثانية من الأهمية بعد الفضائل الاجتماعية، ومن واجب التربية أن ترعاهما معا. ان التربية تعمل عن طريق الإقناع كما تعمل عن طريق الإرغام فإذا انقضت مرحلة التربية يكون من الواجب استعمال  الطريقة الأولى، أي الإقناع، في ترسيخ الفضائل التي تقصد الذات وتعنيها. والناس مدين بعضهم لبعضهم الآخر بالمساعدة على التمييز بين الأحسن والأسوأ، والتشجيع على اختيار الأول وتجنب الثاني، ويجب ان يحفز بعضهم بعضهم الآخر على ممارسة ملكاتهم العليا وتوجيه مشاعرهم وأهدافهم نحو أغراض حكيمة سامية لا حمق فيها ولا انحطاط. ولكن لا يحق لفرد أو جماعة أن يقول لشخص آخر بالغ انه يجب عليه أن لا يفعل بحياته كما يشاء. فالشخص هو صاحب الشأن الأول فيما يختص بخيره الذاتي، ولا يمتد بشأن  الآخرين فيه إلا في حالات العلاقة الشخصية القوية.وما شأن المجتمع به كفرد (فيما عدا سلوكه نحو الغير) إلا شأن جزئي غير مباشر. وحتى الشخص العادي نفسه فانه يملك من الوسائل لمعرفة مشاعره وظروفه الخاصة ما يفوق ما يملكه أي شخص آخر. ان تدخُّل المجتمع للتحكم في حكمه  وأغراضه الخاصة به لا بد أن يقوم على افتراضات عامة قد تكون خاطئة، وإن كانت صحيحة فقد يسيء تطبيقها على الحالات الفردية أناس يجهلون تلك الحالات كما يجهلها أولئك الذين ينظرون إليها من الخارج فقط. في هذا الدائرة من شؤون البشر يقع مجال عمل الفردية. ففي سلوك البشر نحو بعضهم بعضا لا بد من مراعاة قواعد عامة ليعرف الناس ما يجب أن يتوقعوا. أما فيما يختص بالفرد، فان له الحق في ممارسة انطلاقه الفردي بحرية. يجوز أن يقدم إليه الآخرون اعتبارات تساعده في حكمه أو نصائح تقوي إرادته حتى ولو كان الأمر تطفلا منهم، إلا أنه هو الحاكم الأخير. وان الشر الناجم عن السماح للغير بإرغامه على ما يرون فيه مصلحته يرجح على كفة كل ما قد يرتكبه من أخطاء رغم النصح والتحذير إذا هو بقي بدون هذا الإرغام.
أنا لا أقصد القول ان نظرة الغير للشخص يجب أن لا تتأثر قط بما عنده من حسنات أو نقائص في صفاته التي تخص ذاته، فذلك غير ممكن ولا مرغوب فيه. فهو إن شعر في أي من الصفات الآيلة إلى خيره، فانه إلى هذا الحد حري بالإعجاب، إذ يكون بهذا القدر أقرب إلى كمال الطبيعة البشرية لا مثالي. وان كان شديد الافتقار إلى هذه الصفات، تلا ذلك ظهور الشعور المناقض للإعجاب. فهناك درجة من الحماقة، أو درجة مما قد يسمى الحطة أو الخسة في الذوق، قد لا تبرر إيذاء مقترفها، ولكنها تجعله جديرا بالاشمئزاز، بل وجديرا بالاحتقار في الحالات المتطرفة. ولو أنه لا يسيء إلى أحد، فان تصرفه قد يضطرنا إلى الحكم عليه والشعور نحوه بانه أحمق أو من درجة أدنى من ذلك. ولما كان هو يفضل ان يتجنب مثل هذا الحكم والشعور، فان في تحذيره مسبقا من العواقب الوخيمة التي يعرض نفسه لها خدمة له. ليس في الإمكان تأدية هذه الخدمة بحرية أكثر مما تسمح به الآداب العامة المرعية في الوقت الحاضر، فيقول الواحد للآخر انه يظن أنه مخطئ دون ان يُعتبر متطفلا أو غير متأدب. ولدينا الحق في ان نتصرف بطرق شتى بحسب رأينا السيء في أي شخص، لا باضطهاد فرديته بل بممارسة فرديتنا. فنحن غير مضطرين مثلا إلى معاشرته، ولنا الحق في تجنبها (ولكن بدون التفاخر بإظهارها) إذ لنا الحق في اختيار عِشرة من نرضى بهم. ومن حقنا، لا بل ومن واجبنا، أن نُحذر الآخرين منه، ان رأينا ان قدوته ذات تأثير ضار بمن يعاشرونه. ولنا أن نؤثر الغير عليه في المناصب، إلا في تلك التي ترمي إلى تحسينه. ولهذه الأسباب قد ينال المرء عقوبات شديدة على أيدي الغير عن أخطاء لا تمس مباشرة إلا ذاته. ولكنه إنما ينالها كنتائج طبيعية عفوية للأخطاء بالذات، لا لأنها فرضت عليه كقصاص. فان من يبدي تهورا أو عنادا أو اغترارا بذاته، من لا يستطيع العيش ضمن إمكانيات معتدلة، أو لا يمسك نفسه عن الإباحية المؤذية، أو يندفع في الشهوات الحيوانية على حساب أصحاب الشعور والتعقل؛ يجب أن يتوقع أن ينحط في نظرة الغير إليه وشعورهم نحوه، ولا حق له في التذمر من ذلك، إلا إذا استحق عطفهم ورضاهم بامتياز خاص في علاقاته الاجتماعية، فحظي بنعمة في أعينهم لا تتأثر بنقائصه تجاه نفسه.
أريد أن أثبت أن المتاعب التي لا يمكن فصلها عن حكم الآخرين على الفرد بسوء تصرفه إنما هي المتاعب الوحيدة التي يجوز أن يتعرض لها بسبب ذلك الجزء من سلوكه وخلقه الذي يتعلق بمصلحته الخاصة وحدها ولا يمس مصالح الآخرين في علاقتهم معه. أما الأفعال الضارة بالغير فإنها تقتضي معالجة أخرى تختلف تماما. فالتعدي على حقوقهم، أو تكبيدهم خسارة لا تبررها حقوقه، أو الكذب أو المواربة في معاملتهم، أو الاستئثار غير المشروع بالفوائد دونهم، أو حتى التخلي الأناني عن حماستهم من الأذى، كل هذا يستحق الاستنكار  الأخلاقي، بل والجزاء الأخلاقي والقصاص في الحالات الخطيرة. وليست هذه الأفعال وحدها هي التي تعتبر رذيلة أيضا وتستوجب الاستهجان الذي قد يبلغ حد المقت والكراهية. ان القسوة، و الحقد أو الضغينة، والحسد الذي هو في الواقع أفظع الأهواء الضارة بالمجتمع، والرياء أو عدم الإخلاص، والنزق أو سرعة الغضب لأتفه الأسباب، والحنق دون استفزاز متكافئ، وحب التسلط على الغير، والرغبة في الاستئثار بأكثر من النصيب الشخصي من الفوائد، والكبرياء التي تتلذذ بامتهان الغير، والأنانية التي تعتبر الذات ومالها أهم من أي شيء آخر. ان هذه الصفات جميعا رذائل وهي تشكل طبعا أخلاقيا شريرا، وهي ليست كالأخطاء الخاصة بالسلوك الشخصي المذكورة آنفا والتي لا تكون في حقيقتها رذائل ولا شرورا مهما تمادى الإنسان فيها. قد تكون هذه برهانا على أي مقدار من الحماقة أو قلة الكرامة الذاتية أو احترام الذات، ولكنها لا تستوجب اكثر من الاستنكار الأدبي إذا انطوت على إخلال بالواجب نحو الغير، الذي من أجله يجب أن يعتني الفرد بنفسه. ان ما يسمى بالواجب نحو أنفسنا لا يعتبر أمرا واجبا من الوجهة الاجتماعية، إلا حين تجعله الظروف في نفس الوقت واجبا نحو الغير. وإذا كان الواجب نحو الذات يعني شيئا أكثر من الفطنة أو التبصر بالعواقب فإنما يعني احترام الذات أو التطور الذاتي، وما من أحد مسؤول عن أي من هذه تجاه الغير، لأنه ليس من مصلحة البشر ان يكون مسؤولا عن أي منها.
ان الفرق بين فقدان الاعتبار الذي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://djam.yoo7.com
 
جون ستيورات مل (1806 - 1873)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المشكاة للتربية و التعليم :: منتدى التعليم الثانوي :: رياض التعليم الثانوي :: قسم الفلسفة و المنطق-
انتقل الى: